يوم الخميس

وما إن يهلّ علينا يوم الخميس حتى نهللّ له فرحين وكأنه غاب عنا دهراً وزد على ذلك يومين.
فنحن لا ندرك بأن السيد الخميس لا يأتينا إلا كضيف خفيف، لا يحب أن يثقل على قلوبنا أجمعين مع أننا والله والله نرتجيه كي يطيل مدة مكوثه فليس أحب إلى قلوبنا من رؤيتة طيفه يأتينا من بعيد..
هل رأي أحدكم ضيفنا الخميس ؟؟
ننتظره على البلكونه واقفين، ونحسب له على "الكلندر " بالساعه والدقيقة في أي وقتاً لنا هو زائرين ، نقف وراء باب البيت له محيين، فالسيد الخميس لا يدرك حقاً بأن جلّ أعمالنا الترفيهية ومشاويرنا وإرتباطاتنا الإجتماعية وحتى نقص ساعات نومنا اليومية مؤجلة ليوم زيارته الميمون..
قاتلك الله يا خميس ،تجعلنا دائماً في شوق لك وحباً في إنتظارك على أحرّ من الجمر والجنون ، فما إن تطأ قدماك منازلنا حتى نتعشبق بك ملهوفين خوفاً من أن تتردد ومن ثم تغيّر رأيك فينا غير آبهين ،وتُتنحّ علينا رأسك وتحلف مية يمين وعظيم بأنك مغادرون ..

أرأف بحالنا يا خميس ،فليس لنا سواك نلجأ لأمره إذا قصقصت أجنحنتنا باقي أيام الأسبوع ،وليس لنا ملجأ إلا أنت تجعلنا نختفي به بعيداً عن أعين الغاوين، إني أرجوك يا خميس فهل ستردنا خائبين أم مبسوطين؟؟؟
وما إن يطلّ علينا السيد الخميس ببدلته الأنيقة، وربطه عنقه المميزة، ورائحة عطره الفرنسية، حتى نرحب به أيمّا ترحيب ونستقبله محتفين ، و على الشرفة آخذين، ليستمتع معنا بشرب فنجان قهوة ولأطراف حديث جديد نحن معه بادئون ..

كانت الجرائد تتراقص بين يدي السيد الخميس وباليد الآخرى كان يرتشف القهوة مع سيجار كوبي فاخر (بيني وبينكم سراً تباً لهذا السيد المدعو يوم الخميس فهو لا يكف عن قراءة الجرائد العربية والتهكم بها على الطالع والنازلة)
سألته ذات مرّة : لما تكره جرائدنا اليوميه أتظن بأن ما يكتب بها آكاذيب ووهم وحشو كلام يا خميس ؟؟
أجاب : كلا ،ولكني أعتقد جازماً بأن صديقنا الحبر أستنزف بغير وجه حق، وتلك الأوراق التي تسميها جرائد ما هي إلا امرأه عجوز متعرية تعرض نفسها علينا ليل نهار بدون خجل أو إستيحاء فلا هي بالشابة التي نتغزلّ بها ، ولا بتلك الحسناء التي نتغنى بجمالها، أجزم بأن هذه الأوراق لا تحترم زميلنا الفكر وهذا ما يزعجني حقاً ،هذه الأوراق التي يعزّ عليكِ شتمها ما هي إلا لصوت مطربة مسموع ،و لخصر راقصة مهزوز، أو لسيارة ملياردير عربي مطلية بالذهب نصيب ولعمليه حشو سليكون لصدر فنانه النصيب الأكبر،
لذلك يا زينزين هذه الأوراق ليست بحاجة إلا لبضع لترات من الكلوركس كي نزيل عنها كل هذا الدخان المتصاعد والبقع المستعصية.
هل لديكِ كلكوركس بالبيت أم أنك كالعادة تؤجلين ليستة الإسبوع ليوم مجيئي ؟/تباً لكِ ولهذه العادة الخرقاء.
وفجأه يطرق باب البيت وإذ بجيراني كلهم يريدون أن يروا السيد الخميس ويشكرونه على كرمه الحاتمي ويقدمون له الليستات الطويلة ، لم أستطع منعهم من الدخول فإستقبلهم السيد الخميس كعادته بإبتسامه مشرقة ،ركضوا نحوه بجنون وقدموا له الأوراق الكثيرة التي تعبر عن طلباتهم وإستيائهم من باقي أيام الأسبوع و التي بدورها تسبب لهم ضيقاً وضغطاً كبيراً..
السيد الخميس كعادته أكد على مساعدتهم وتقديم يد العون لهم ما أمكن وأعلن إستعداده لتحمل كامل الإستراحات والمصاريف والنزهات والشوبيغات والطلعات والنزلات ..
لاحظت علامات عدم الإرتياح على وجه السيد الخميس
فأخذته جانباً وسألته عن سبب هذا التوتر فأجابني :
لي لا أدري حقاً ماذا يعني لكم مجيئ وكأنني مخلص البشرية من الضغط ومخلصكم من الآلام !! ما به جاري السبت ؟؟أيشكو من شيئ إنه نعم الرجال المحترمين صحيح إنه ثقيل دم بالنسبة للبعض ولكنني أجده نشيطاً ومهذباً !!
ما بالكم يا قوم والله إنكم لباذخون متأففون .... قلبها فصحى الرجال
دخل السيد الخميس إلى غرفته حزيناً بعد أن أثقلته الهموم
طرقت الباب عليه ،سيدي الخميس ألن تجلس معنا على طاولة الغداء ؟؟
كلا لن أجلس يا زينزين إذهبي ودعيني وشأني ، فلدي من الهموم ما يكفيني ..هذا جاركم حسان يريد أن يتسوق ويذهب إلى المطهم برفقه أصحابه إيضاً لديه إرتباطات عائليه وعليه يجب أن آكون بجانبه !!
جارتكم حسيبة تريد أن تغسل وتمسح وتطبخ وتعمل حمام مغربي وبدكير ومتاكير وبالتالي يجب أن آرافقها..
جاركم حمزة يريد أن يسافر ،وجارتكم بهية تريد أن تذهب مع صاحبتها الثرثارة إلى ستار بوكس وسترى المسلسل التركي أثناء عودتها إلى البيت وستتابع حديثها على الموبيل مع صديقتها وداد لتكتمل النميمة اليوم على صديقتهم فتحيه،أما أنتي فلديكِ ما لديكِ من الأعمال لذلك أنصحكِ بتركي وشأني
أغلقت الباب على السيد الخميس وأنا حزينه مشفقة عليه ، عندما داعبت الشمس عيوني خلسه من خلف التسائر الزرقاء في الصباح التالي ذهبت لألقِ نظرة على السيد الخميس لقد كان مرهقاً ومتعباً ليله أمس،طرقت الباب أكثر من مرة وما من مجيب فتحت الباب لم أراى السيد الخميس على سريره لقد إستيقظ باكراً وحزم حقائبه ورحل ..
أتمنى أن يعود يوم الخميس ولكن بحلة مشرقة جميلة بدون أن نثقل على هذا السيد اللطيف ..